الجمعة، 8 يناير 2010

تجديد الفكر الإسلامي والمعاصرة

لم تكن مفردة التجديد من المفردات المألوف نسبتها إلى العلوم الشرعية والفكر الاسلامي كما هو حال العلوم التطبيقية والأمور الدنيوية.
لذا كان إطلاقها عليه في البدايات صادما ومربكا أنشأ انقساما بين مستميتٍ في نفيها، ومتطرفٍ في تأييدها كعادة كل مستحدث تضرم حوله جذوة الاختلافات، والمتباينات بين اطراف لا يبدو على أحدهم انه يصغي للآخر، أو يعبأ لما يصدر.
إلا أن شدة التغيرات، وكثرتها، فرضت ضرورة قبول دلالة الكلمة مما هو أبعد من الوقوف عند حدود أسوارها، ومع ذلك لم يغفُ الصراع تماما وإنما اكتسى وجها آخر يتناسب مع الخطوة الخجلة لقبولها، فكان الجدل حول ما يمكن أن يخضع للتجديد من مبادئ الشرع وعلومه المحتضنة تحت جناحها (أصول الدين، الفروع الفقهية التي يطلق عليها الجزئيات، أصول تلك الفروع أو ما يسمى بأصول الفقه: تمييزا لها عن أصول الدين).
ويتلبس المترددون في أمر التجديد خشية وحذراً من المساس بجوهر أو ثابت في الشرع من أن يكون عرضة لتلاعب الأهواء المتباينة أو المصالح الشخصية في تبرير واقع أو فرضه باكتساح وتدمير تلك الثوابت .
لذا كانوا أشد ما كانوا اصطداماً بالتجديد في الأصول سواء أصول الدين، أو أصول الفقه وركائزه، وهم يعذرون في حرصهم إلا أنهم عملياً سقطوا في غياهب سحيقة من التناقضات عند إفراد الفروع أو (الجزئيات) بالتجديد مع رفض تجديد ركائزها ومنطلقاتها التي هي قواعد غير منصوص عليها، ولا موحى بها، وإنما هي قوالب تتوافق مع حكم في عصر، ولا تتفق مع آخر في عصر آخر، فهي بمثابة القدم لمن يحرص على اللحاق بغيره.
كما وقع التناقض عند الوقوف على حدود ألفاظ النصوص دون سبر للعلل التي يدور معها الحكم وجوداً وعدماً: وفصل النصوص عن سياقاتها، وجوها العام الذي ينقل إلى آفاق أرحب من النظر والواقعية.
التجديد ضرورة لملاحقة المتغيرات المجتمعية والفكرية غير المحدودة لن يقف أو يتباطأ انتظاراً لأن نسمح بعد عدة مداولات أو لا نسمح، إلا أن ذلك لا ينفي افتقاره إلى نظرة متفهمة مقترنة بإدراكٍ لحقيقة الشرع كمنهج يشمل الثوابت التي بدونها لا يكون هناك فرق بينه، وبين سواه من الأديان والعقائد دون تمييع، كما يشمل المتغير الذي يسعى ليوائم بينه وبين طبيعة الحياة المتغيرة ليتعايش الناس في ظله الرحب في سلام ووئام.
التطرف حول قطبين، والرفض لمجرد النسبة الى مصدر ما هو علة العلل في التخبط، وعدم الاتزان عند الجلوس على مائدة ما، شفاؤه النظرة العقلانية المجردة عن التعلق بالثانويات الحاجبة عن التغلغل بعمق وروية في تناول المهمات.نحن نرفض المنهج العقلي في النظر لمجرد أنه نسب إلى المعتزلة،
ونرفض هذا القول، لأنه صدر عن ذلك العالم الذي له أقوال غير مقبولة في نظرنا في قضايا أخرى لا تعلق لها بما نطرح،
ونرفض ذلك لصدوره عن أديب، أو مفكر يتصف بكذا، وكذا، وكذا.. كل ذلك من وجهة نظرنا.
قبل سنوات ليست ببعيدة ظهرت أدبيات عديدة وبحوث في رفض فكرة التقنين للأحكام القضائية باعتبارها إحدى إفرازات المعاصرة المنبثقة عن احتياجات العصر، حتى أن أحد الباحثين قدم في مطلع طرحه شاهداً على ذمها بأن أول من فكر بها عبدالله بن المقفع عندما أدلى بها إلى الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور.
ولم تمض سنوات طويلة حتى فرض واقع القضاء وتباينه في ما يصدر عنه عن حاجة ماسة ألجأت إلى ما اقترحه منذ سنوات بعيدة ابن المقفع المذموم.
لن تمسي المعاصرة عفريتاً مقلقاً عندما تصلح وسائل الاتصال بين الأقطاب المتحاورة حولها رفضاً، وقبولاً، وترمم الجسور المنهارة ليحمل كل طرف إلى الآخر وسيلة للتقارب ولم الشمل في أمور لا يدرك المتخاصمون أن ما يحمله أحدهم هو سلاح قول الآخر.
سيكون الأمر أكثر واقعية ومرونة عند التنحي عن الاستماتة حول الجزئيات، والنظر في تفعيل الكليات القادرة على إسباغ وشاحها رفرافا على جميع المتنازعين مع روح ملأى بالعدل والإنصاف للغير والنفس عند وقوف أحدهما أمام الآخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق