الخميس، 14 يناير 2010

الحضانة في التطبيق القضائي دعوة للمراجعة

من الحين للآخر تطالعنا الصحف المحلية السعودية بقصص الفتيات اللاتي يعانين الضيم والظلم، على يد بعض زوجات الأب القاسيات واللاتي أحيانًا يشاركهن الآباء فيما يقترفن من همجية ووحشية تغتال براءة هؤلاء الفتيات المغلوبات على أمرهن.

عامان مرت على قصة "الطفلة غصون" ولا تزال تفاصيلها المؤلمة تعتصر قلبي، وصورتها التي شوهت بكل أصناف التعذيب تطل على ذاكرتي؛ فهذه الطفلة المسكينة ابنة الأعوام العشر والتي أجبرت على الالتحاق بأبيها بعد فراق الأم له؛ بسبب قسوته ووحشيته، قد مورس عليها ما لا يمكن تصديقه من سلوكيات وحشية تكمن وراءها نفسيات شاذة يستحيل أن تنطوي على ذرة من الإنسانية، حيث كان الأب وزوجته التي اقترن بها بعد فراق "أم غصون" يتناوبان على تعذيبها، ففُقئت عيناها بالفرجار (البرجل)، وطُعنت بآلة حادة تحت السرة، وأُحرقت في مواضع متفرقة من جسدها، وحُرمت الطعام والشراب، وضُربت بعنف مما خلّف كدمات شديدة على وجهها وجسدها الضعيف حتى فارقت الحياة.

سلوكيات شاذة

هؤلاء الأطفال الذين ابتلوا بانفصال والديهم (ذكورًا وإناثًا) يحتاجون إلى النظر في أمرهم بصورة أكثر فاعلية لحماية ضعفهم من سلوكيات شاذة تسقط عليهم.

لفتة أوجهها لوزارة العدل في السعودية بتأسيس لجان اجتماعية تُلحق بالمحاكم الشرعية تشارك القضاء النظر في قضايا الحضانة وإلحاق الأطفال -ذكورًا وإناثًا- بأحد الأبوين.

تبحث هذه اللجان في معرفة البيئة الأفضل في تربية هؤلاء الأطفال بغض النظر عن كونها بيئة الأب أو الأم، إنما يكون الهدف هو وضع الطفل في البيئة القادرة على تنشئته النشأة الصالحة نفسيًّا واجتماعيًّا؛ ليصبح مواطنًا صالحًا يساهم في بناء أمته ووطنه بدلاً من أن يكون وبالاً عليها.

الأطفال ثروة بشرية تستحق تكلف الجهد من أجل توفير أنسب المناخات لإنمائها، والمجتمع بكل مؤسساته الذي يَكلَف في بنائهم هو المستفيد الأول وهو الذي يشقى متى توانى في حقهم ماديًّا أو معنويًّا.

تعمل المحاكم السعودية في قضية الحضانة والإلحاق وفق المذهب الحنبلي الذي يذهب إلى إجبار الفتاة على الالتحاق بأبيها، وتخيير الصبي بين أحد الوالدين متى بلغ كلٌّ منهما سن السابعة، اعتمادًا على الحادثة التي وقعت في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم والتي تحكي قصة امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بابنها الذي كان يقوم على مصالحها من إحضار الماء والطعام، تشكو والده الذي يريد انتزاعه منها، وتروي القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم التفت إلى الصبي قائلاً: "هذا أبوك وهذه أمك فاختر أيهما شئت"، فأخذ بيد أمه فانصرفت به.

مراجعات شرعية

وهذه الحادثة أولاً: لم تذكر أن هناك ضررًا سيقع على الصبي بالتحاقه بأبيه أو ببقائه عند أمه؛ إذ إن كلتا البيئتين كما يبدو من الرواية كانت صالحة لتربيته إلا أن احتياج الأم إليه كان أشد؛ لذلك خيره النبي صلى الله عليه وسلم فكان ما اختار.

ثانيًا: هذه القصة وقعت اتفاقًا في شأن طفلٍ ذكر، بمعنى أنه لم تقع حادثة أخرى في شأن فتاة -أو لم تنقل على الأقل- حتى نعلم منها ما سيكون حكم النبي صلى الله عليه وسلم فيها، وهو ما يشير إلى أن هذا الحكم -أي التخيير- هو حكم كل طفلٍ هذا شأنه، سواءً كان ذكرًا أم أنثى؛ بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: وهذا حكم الصبي أما الفتاة فإنها تجبر على التحاق بأبيها، وهو بيان مهم للجزم بالإجبار، وتأخير البيان عن وقت الحاجة إليه محال في حق الأنبياء عليهم السلام؛ لذلك يُستغرب جزم الحنابلة بإجبار الفتاة دون الصبي لمجرد أن حادثة التخيير وقعت لصبي، وليس ثمة دليل لا من قريب ولا من بعيد يشير إلى ذلك؛ لذلك تجد الشافعية يذهبون إلى تخيير كلٍّ من الجنسين (الذكر والأنثى) اعتمادًا على ذات الرواية.

ونظر كلٌّ من الحنفية والمالكية إلى المصلحة على اعتبار أن مفهوم الحضانة هو التربية والإحاطة بالرعاية والإصلاح؛ لذلك تجدهم لا يقرون قضية التخيير من أصلها، سواءً للولد أو الفتاة؛ لأن الطفل إذا خُيّر فإنه لغلبة هواه وعدم معرفته بمصلحته ولقصور عقله قد يختار غالبًا من عنده الراحة وعدم الحزم وإن لم يتحقق فيه النظر له.

من هذا المنطلق نجد الحنفية يحكمون بإجبار الصبي بعد سن السابعة على الالتحاق بأبيه إلى سن البلوغ لحاجته إليه أكثر من حاجته إلى أمه في تنشئته على التخلق بآداب الرجال وأخلاقهم، وبعد البلوغ يُخير بين أبويه، وإن أراد أن ينفرد فله ذلك إلا إذا خُشي عليه.

ويرى المالكية المصلحة في تركه عند الأم إلى البلوغ على اعتبار أنها أكثر تفرغًا من الأب للتربية، وبعد البلوغ له أن يذهب حيث يشاء أيضًا ما لم يُخش عليه.
أما البنت فكلا المذهبين يرى المصلحة في تركها لدى الأم بعد السابعة لشدة احتياجها إليها في تعلم آداب النساء وشئون إدارة البيت، وكيفية التعامل مع فترة البلوغ الحرجة.

لذلك تمتد عند الحنفية حضانة البنت إلى سن البلوغ وبعدها تجبر على الالتحاق بأبيها دون تخيير، بينما يتوسع المالكية لتمتد حضانة البنت عند أمها إلى أن تتزوج وتنتقل إلى بيت زوجها حتى لو بلغت البنت ثلاثين أو أربعين سنة قبل أن تتزوج، وطبعًا في جميع الحالات ما لم يُخش على الطفل، سواء كان ذكرًا أم أنثى من ضررٍ أو فساد.

مصلحة الطفل

وهكذا نلمس الاختلافات المتشعبة والكثيرة حول رؤية تضمن أفضل تنشئة للأطفال في ظل ظروف فراق الأبوين، وهذا ما يؤكد ضرورة النظر في العلة الحقيقية من الحضانة والتي هي رعاية المحضون وحمايته من الضرر وحماية المجتمع منه عند تجنيبه أسباب التشرد والانحراف، وهذا ما يدفع إلى مناشدة القضاء السعودي إلى تشكيل لجان اجتماعية تنظر في البيئة الأصلح لاحتضان هؤلاء الأطفال، بعيدًا عن التطبيق الروتيني المحض بإجبار البنت على الالتحاق بأبيها وتخيير الولد؛ إذ ليس بالضرورة أن تكون المصلحة في ذلك.

وقد أشار الإمام ابن تيمية رحمه الله إلى هذا المعنى عندما قال:

(ولو كان الأب عاجزًا عن حفظها أو يهمله -أي الحفظ- لاشتغاله عنه، أو قلة دينه، والأم قائمة بحفظها قدمت).

وقال أيضًا:

(إذا قُدِّر أن الأب تزوج بضرة وهو يتركها عندها وهي لا تعمل مصلحتها، بل تؤذيها أو تقصِّر في مصلحتها، وأمها تعمل مصلحتها ولا تؤذيها فالحضانة هنا للأم قطعًا).

وهذا يؤكد أن مدار الأمر على المصلحة.

وهنا كلمة لا بد أن توجه إلى الآباء والأمهات قبل القضاء بأنهما مهما احتدمت الخلافات بينهما فإن الأمر إذا وصل إلى الأولاد فإن عليهما التحلي بالحكمة والروية والنظر بعقلانية في مصلحتهم، فيعملان حتى بعد الفراق وذهاب كلٍّ في حاله وتكوينه لحياةٍ جديدة على التعاون يدًا بيدٍ من أجل الحفاظ على فلذة أكبادهما وحمايتهم وتوفير أفضل الأجواء الملائمة لإصلاحهم، والوصول بهم إلى مرافئ الأمان إلى أن يبلغوا سنًّا يكونون فيه قادرين على القيام بأمرهم، وألا يسمحا للخلافات التي أدت بهما إلى الفراق أن تتجاوز مخالبها لتُطال الأطفال الأبرياء الذين لا ناقة لهم في كل ذلك ولا بعير.



Read more: http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&pagename=Zone-Arabic-AdamEve%2FAEALayout&cid=1199279964345#ixzz0caOaNA1p

هناك تعليق واحد:

  1. بدل التنازع بين الأبوين للحظانه ليصدق كل منهما في محبته لهم بأن يتنازل عنها لمن يكن فائدة الأطفال في حضانته

    ردحذف