الجمعة، 8 يناير 2010

حمامة بيضاء في سماءٍ داكنة

استجمعت قواي، انتشلت نفسي عنوةً من قبضة الفقه بأحكامه التكليفية والوضعية وقذفت بها في كوثر المصطفى صلى الله عليه وسلم أروي ظمأ روحٍ استبد بها الشوق إلى ركنٍ آمنٍ تريح عليه رأساً مرهقاً .

على عتبات الحبيب وقفت أعبُّ سيرةً ضمخها التاريخ بعينٍ تلتقط سياقاً فذاً ، وبفكرٍ جمح في سماء إنسانيةٍ واقعية يمتزج في ردهاتها أنموذج نبيٍ حاكمٍ قاضٍ برقة زوجٍ وأبٍ وصديق .

سبحت في زُكاء لجته أتلمس الشذا وأنّى تلمست أدركني الكمال عند كل باب ، إحساسه، تفهمه، إمهاله، اعذاره، خوفه علينا، حبه لنا .

أمام جلال تاريخٍ ينساب بنسائم الرحمات أنخت هامتي أسكب عبرتي، بين راحتيه إحساس شرس بالذنب لفني، بونٌ رحب بين المنبع والمصب، بين الثريا والثرى، بين شموخ الشواهق وذل السفوح .

في محراب نور أسطرٍ حبلى بلآليء العظمة، وفي لحظة استجلاءٍ لواقعٍ يغرق في تيه الغياهب أحاطني دخان شجنٍ أسود على واقعٍ لوثته بصماتنا، وعاث بصفحة صفائه عبثنا الذي كان وراء ما أحيطت به صورة الحبيب صلى الله عليه وسلم من تمثيلٍ على أيدٍ عرفتنا ولم تعرفه، رصدتنا تحت مجاهر صارمة في حين أنها لم تخبره، فحمّلته ظلماً خطيئة ظلامنا ليتلقى نحره الطاهر طعناتها دون نحورنا .

خلال نزهتي النورانية كانت تحفني مواكب الهيبة لتحط في حضرة سياقٍ خصيب يعزز شعور عار الخذلان والخيانة لعدم أمانتنا في حمله ونثره صافياً كما كان في منابعه ليحتضن بروابيه أرجاء الكون الفسيح .

هناك وددت إطلاق حمامةٍ بيضاء يتقاطر ندى براءة أجنحتها فيطهر بيدٍ عذراء أديماً طالما أمعنا في تلويثه بكل الأطياف الداكنة .

وددت لو ملكت تسخير بحار الأرض ومحيطاتها وتذويب ثلوج أقطابها فأبعثه فيضاناً يثور ليغسل أقصى ذرةٍ سوداء تحت جلودنا وفي أعماق قلوبنا .

وددت، ووددت، ووددت، وفي زخم ما وددت لم أرَ في قطيعةٍ لبضائع القوم غسلاً لعارنا، بل رأيت الأولى مقاطعة تصدير صورةٍ مظلمة وحالٍ بئيس إلى شعوبٍ لا تبصر منهجاً وقيماً قدر ما ترصد سلوكاً وفعلاً .

عند قداسة العتبات أخِرُّ على ركبتيّ، أعفرُّ وجهاً، أذوب عبرةً، أعتذر إلى صاحب المقام إذا لم يفت أوان الاعتذار .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق