الجمعة، 8 يناير 2010

قيثارة الإحباط والتأبين

قيثارة دروس العلم الشرعي لطالما دندنت على جلودنا الغضة المفعمة بالحياة وإرادة الشباب ونحن على مقاعد الدراسة _ ولا زالت تدندن _ سيمفونية العجز والإحباط عن إدراك فضائل اسلافنا وماوصلوا إليه في مناحي العلم والفكر .
لا أعرف كيف ساغ لعقولنا الفتية الاستسلام لمراسم التأبين والدفن وقبول العزاء .
كلما منحتني الحياة رشحاً من بصيرتها تجلى في وعيّ عدم انحصار ذلك في الثقافة الشرعية بقدر ما هو ثقافة عامة متجذرة في عروبتنا .
فإذا كانت ثقافة العلوم الشرعية والفلسفية قد أوصدت الأبواب أمام الأحلام الطامحة في تبوؤ مكانة أحد الأئمة الأربعة، أو الغزالي، أو الرازي، أو القرافي، أو الجويني، أو ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، أو معاصره السبكي، أو ابن رشد، أو ابن سينا، أو ، أو ، أو ، إلى آخر الأوات المحبطَة.
فإن الشعر قد استأصل رحمه بعد المتنبي، و أبي تمام، و الأصمعي، وجرير، والفرزدق.
وكذلك فعل الفن بعد زرياب، والاصفهاني، وسيد درويش، وورشة أم كلثوم وعبد الحليم وفيروز .
لا أنكر في صومعة العلماء أن عصرنا لم يأتِ بأمثالهم ، إلاّ أن ما أنكره نسبة ذلك إلى القصور والعجز بقدر ما هو نتيجة لازمة لثقافة التقزيم والإحباط والوأد .
البداهة تهدي إلى أن الحكمة الإلهية تتنافى مع تصور أن يخلق الله عزّ وجلّ جيلاً بعقولٍ تامة ثم يتناقص التمام مع توالي الأجيال .
كما أنها تهدي إلى أن الطاقات البشرية بكافة أنواعها موجودة في جميع الخلق ولا يظهرها إلاّ التحفيز والتوظيف ، والسؤال : كيف يمكن أن تتأجج في نشء نلقي في سبيله قشور البطيخ والموز .
تبجيل رموز الأمة لا يقف بالضرورة عائقاً أمام الوعي والإرادة في تلقي روح هذا الدين وتوظيف ذلك الوعي في تلوين صفحة الواقع والوقت القائم بألوان الربيع المتخمة بالحياة والأمل في انسيابية متناهية البساطة .
كما لا ينبغي أن تصور المخالفة للسلف من العلماء أو الخروج على تأصيلهم على أنه جريمة يعاقب مرتكبها بالتهميش والإقصاء وحشو الآذان أمام علمه وفكره المتجدد ، أو يصور على أنه تطاول وتحدّ وتجاوز لسياق الأدب معهم خاصة بعد علمنا أن أهم أسباب تفوق من تفوق منهم وريادته إنما هو تطويع ما تلقاه هو أيضاً عن أسلافه ليتناغم مع حاجات عصره .
دورنا القادم هو إطلاق منافذ الوعي والحرية الفكرية المسؤولة في جماجمنا بعيداً عن ثقافة الحجب والتكميم .
ولعلني قبل أن أختم أذكر ما دعاني اليوم بإلحاح إلى تسطير ما كتبت رغم أنه عاش في داخلي طويلاً؛ ذلك أن أحد محرري الصحف المحلية عرض عليّ الكتابة في زاوية بعنوان " لا حياء في الدين " وأردف قائلاً : الأولى أن تسمى " لا حياة في الدين " وأنا أوافقه الرأي مع إضافة بسيطة " لا حياة في الدين كما يصوره الجناة عليه " وإلاّ فالدين هو الحياة التي لم نذق صفو طعمها ولن نذقه إلاّ إذا أقصينا بعض مفاهيمنا وكثيراً من تحجرنا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق